فصل: سئل عن رجل تداين دينا فاشترى شيئا بحضرة الرجل ثم باعه عليه بفائدة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/

 باب الربــا

 وسئل شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏

عن تحريم الربا، وما يفعل من المعاملات بين الناس اليوم؛ ليتوصلوا بها إلى الربا، وإذا حل الدين يكون المديون معسرا، فيقلب الدين في معاملة أخرى بزيادة مال، وما يلزم ولاة الأمور في هذا، وهل يرد على صاحب المال رأس ماله دون ما زاد في معاملة الربا‏؟‏

فأجاب‏:‏

المراباة حرام بالكتاب والسنة، والإجماع‏.‏ وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه‏.‏ ولعن المحلل، والمحلل له‏.‏ قال الترمذي‏:‏حديث صحيح، فالاثنان ملعونان‏.‏

وإن كان أصل الربا في الجاهلية‏:‏ أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجل، فإذا حل الأجل قال له‏:‏ أتقضي‏؟‏ أم تربي‏؟‏ فإن وفاه وإلا زاد هذا في الأجل وزاد هذا في المال، فيتضاعف المال / والأصل واحد‏.‏ وهذا الربا حرام بإجماع المسلمين‏.‏

وأما إذا كان هذا هو المقصود، ولكن توسلوا بمعاملة أخري، فهذا تنازع فيه المتأخرون من المسلمين، وأما الصحابة فلم يكن بينهم نزاع أن هذا محرم، فإنما الأعمال بالنيات، والآثار عنهم بذلك كثيرة مشهورة‏.‏

والله ـ تعالى ـ حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاجين، وأكل المال بالباطل، وهو موجود في المعاملات الربوية‏.‏ وأما إذا حل الدين وكان الغريم معسرا لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب لا بمعاملة ولا غيرها، بل يجب إنظاره، وإن كان موسرا كان عليه الوفاء، فلا حاجة إلى القلب لا مع يساره، ولا مع إعساره‏.‏

والواجب على ولاة الأمور بعد تعزير المتعاملين بالمعاملة الربوية، بأن يأمروا المدين أن يؤدي رأس المال، ويسقطوا الزيادة الربوية، فإن كان معسرا وله مغلات يوفي منها وفي دينه منها بحسب الإمكان‏.‏ والله أعلم‏.‏

 /وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏

فصل

فيمن أوقع العقود المحرمة ثم تاب

قال الله تعالى في الربا‏:‏ ‏{‏وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 279‏]‏ ‏.‏ وقد بسط الكلام على هذا في موضعه‏.‏

وقد قال تعالى لما ذكر الخلع والطلاق، فقال في الخلع‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عليهمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏229ـ231‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليوم الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏1ـ3‏]‏ ‏.‏

فالطلاق المحرم، كالطلاق في الحيض، وفي طهر قد أصابها فيه‏.‏ حرام بالنص والإجماع، وكالطلاق الثلاث عند الجمهور، وهو تعد لحدود الله، وفاعله ظالم لنفسه، كما ذكر الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 1‏]‏ ‏.‏ والظالم لنفسه إذا تاب تاب الله عليه؛ لقـولـه‏:‏ ‏{‏وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏110‏]‏ ، فهو إذا استغفره غفر له ورحمه، وحينئذ يكون من المتقين، فيدخل في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 2،3‏]‏

والذين ألزمهم عمر ومن وافقه بالطلاق المحرم كانوا عالمين بالتحريم، وقد نهوا عنه فلم ينتهوا، فلم يكونوا من المتقين، فهم ظالمون لتعديهم الحدود، مستحقون للعقوبة‏.‏ ولذلك قال ابن عباس لبعض المستفتين‏:‏ إن عمك لم يتق الله، فلم يجعل له فرجا ولا مخرجا، ولو اتقي الله / لجعل له فرجًا ومخرجًا‏.‏

وهذا إنما يقال لمن علم أن ذلك محرم وفعله‏.‏ فأما من لا يعلم بالتحريم فإنه لا يستحق العقوبة، ولا يكون متعديا، فإنه إذا عرف أن ذلك محرم، تاب من عوده إليه، والتزم ألا يفعله‏.‏

والذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل ثلاثتهم واحدة في حياته كانوا يتوبون، وكذلك من طلق في الحيض، كما طلق ابن عمر، فكانوا يتوبون فيصيرون متقين، ومن لم يتب فهو الظالم لنفسه، كما قال‏:‏ ‏{‏بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11‏]‏‏.‏

فحصر الظلم فيمن لم يتب، فمن تاب فليس بظالم، فلا يجعل متعديا لحدود الله، بل وجود قوله كعدمه، ومن لم يتب فهو محل اجتهاد‏.‏

فعمر عاقبهم بالإلزام، ولم يكن هناك تحليل، فكانوا لاعتقادهم أن النساء يحرمن عليهم لا يقعون في الطلاق المحرم، فانكفوا بذلك عن تعدي حدود الله‏.‏ فإذا صاروا يوقعون الطلاق المحرم، ثم يردون النساء بالتحليل المحرم، صاروا يفعلون المحرم مرتين، ويتعدون حدود الله مرتين، بل ثلاثا، بل أربعا؛ لأن طلاق الأول كان تعديا لحدود الله، وكذلك نكاح المحلل لها، ووطؤه لها قد صار بذلك ملعونا هو / والزوج الأول‏.‏ فقد تعديا حد الله، هذا مرة أخري، وذاك مرة‏.‏ والمرأة ووليها لما علموا بذلك وفعلوه كانوا متعدين لحدود الله، فلم يحصل بالالتزام في هذه الحال انكفاف عن تعدي حدود الله، بل زاد التعدي لحدود الله، فترك التزامهم بذلك ـ وإن كانوا ظالمين غير تائبين ـ خير من إلزامهم به‏.‏ فذلك الزنا يعود إلى تعدي حدود الله مرة بعد مرة‏.‏

وإذا قيل‏:‏ فالذي استفتي ابن عباس ونحوه لو قيل له‏:‏ تب‏.‏ لتاب؛ ولهذا كان ابن عباس يفتي أحيانا بترك اللزوم، كما نقل عنه عكرمة وغيره‏.‏ وعمر ما كان يجعل الخلية والبرية إلا واحدة رجعية ولما قال‏.‏

قال عمر‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 66‏]‏ ‏.‏ وإذا كان الإلزام عاما ظاهرا كان تخصيص البعض بالإعانة نقضا لذلك، ولم يوثق بتوبته‏.‏ فالمراتب أربعة‏.‏

أما إذا كانوا يتقون الله ويتوبون، فلا ريب أن ترك الإلزام ـ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ـ خير‏.‏

وإن كانوا لا ينتهون إلا بإلزام فينتهون حينئذ، ولا يوقعون المحرم، / ولا يحتاجون إلى تحليل‏.‏ فهذا هو الدرجة الثانية التي فعلها فيهم عمر‏.‏

والثالثة‏:‏ أن يحتاجوا إلى التحليل المحرم، فهنا ترك الإلزام خير‏.‏

والرابعة‏:‏ أنهم لا ينتهون، بل يوقعون المحرم، ويلزمون به بلا تحليل‏.‏ فهنا ليس في إلزامهم به فائدة إلا آصار وأغلال لم توجب لهم تقوي الله، وحفظ حدوده، بل حرمت عليه نساؤهم، وخربت ديارهم فقط‏.‏ والشارع لم يشرع ما يوجب حرمة النساء وتخريب الديار، بل ترك إلزامهم بذلك أقل فسادا، وإن كانوا أذنبوا فهم مذنبون على التقديرين، لكن تخريب الديار أكثر فسادا، والله لا يحب الفساد‏.‏

وأما ترك الإلزام فليس فيه إلا أنه أذنب ذنبا بقوله، ولم يتب منه، وهذا أقل فسادا من الفساد الذي قصد الشارع دفعه ومنعه بكل طريق‏.‏

 وسئل عما إذا أبدل قمحا بقمح‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا أبدل قمحا بقمح، كيلا بكيل، مثلا بمثل، جاز‏.‏ وإن كان بزيادة لم يجز‏.‏

/

 وسئل عـن امرأة باعت أسورة ذهب بثمـن معـين إلى أجل معـين، هــل يجــوز‏؟‏ أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا بيعت بذهب أو فضة إلى أجل لم يجز ذلك باتفاق الأئمة، بل يجب رد الأسورة إن كانت باقية، أو رد بدلها إن كانت فائتة‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل‏:‏ هل يجوز بيع الحياصة بنسيئة، بزائد عن ثمنها‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما الحياصة التي فيها ذهب أو فضة، فلا تباع إلى أجل بفضة أو ذهب، لكن تباع بعرض إلى أجل‏.‏ والله أعلم‏.‏

/

 وسئل عن حديث‏:‏ ‏(‏رخص في العرايا أن تباع بخرصها‏)‏ فما خرصها‏؟‏ و‏(‏نهى عن بيع المصراة، والمحفلة‏)‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، أما ‏[‏المصراة، والمحفلة‏]‏ فهي البهيمة ـ من الإبل والغنم وغيرهما ـ تترك حتى يجتمع اللبن في ضرعها أياما، ثم تباع، يظن المشتري أنها تحلب كل يوم مثل ذلك‏.‏ فهذا من التدليس والغش، وقد حرمه النبي صلى الله عليه وسلم عموما، وخصوصا وجعل للمشتري الخيار ثلاثا إذا حلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها، ورد عوض اللبن الذي كان موجودا وقت العقد، وجعل صلى الله عليه وسلم عوضه صاعا من تمر‏.‏

وأما بيع الغرر الذي لا يمكن البائع تسليمه، مثل أن يبيع عبده الآبق، وبعيره أو فرسه الشارد، أو طيره الذي خرج من قفصه، أو من حبله، ونحو ذلك، فإن بيع مثل هذه الأمور من ‏[‏

باب المخاطرة والقمار‏]‏ فإن المبيع إن قدر عليه كان المشتري قد قمر البائع، حيث أخذ ماله بدون قيمته، وإن لم يقدر عليه كان البائع قد قمر المشتري، / وفي كل منهما أكل مال الآخر بالباطل‏.‏ وشر من ذلك أن يبيعه ما في بطن الدابة، وكذلك إذا باعه الثمرة قبل بدو صلاحها، فهذه من أنواع الغرر‏.‏ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها عموما، وخصوصا‏.‏ وكل ذلك من الميسر الذي حرمه الله في القرآن‏.‏

وكذلك بيع الحصاة، مثل أن يقول‏:‏ بعتك من هذه الأرض إلى حيث تبلغ هذه الحصاة، أو بعتك ـ من هذه الثياب، أو الشياه، أو الغلمان، أو غيره ـ ما تقع عليه هذه الحصاة، فيكون المبيع مجهول القدر، أو العين، أو الوصف‏.‏

وأما ‏[‏العرايا‏]‏ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثناها مما نهى عنه من المزابنة؛ وذلك أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، والمحاقلة‏.‏ ‏[‏ والمزابنة‏]‏ أن يشتري الرطب في الشجر بخرصه من التمر‏.‏ و‏[‏المحاقلة‏]‏ أن يشتري الحنطة في سنبلها بخرصها من الحنطة‏.‏ والخرص هو‏:‏ الحزر والتقدير‏.‏ فيقال‏:‏ كم في هذه النخلة‏؟‏ فقال‏:‏ خمسة أوسق فيقال‏:‏ اشتريته بخمسة أوسق‏.‏ أو كم في هذا الحقل من البر فيقال‏:‏ خمسة أوسق، فيقال‏:‏ اشتريته بخمسة أوسق‏.‏

وهذا الحكم عام في كل ما يباع إلا بقدره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا الفضة بالفضة، إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا / الحنطة بالحنطة إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا الشعير بالشعير إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا التمر بالتمر إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا الملح بالملح إلا مثلا بمثل‏)‏‏.‏ ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من الطعام لا يعلم كيلها بالطعام المسمي‏.‏ فإذا بيعت هذه الأموال بمثلها جزافا لم يجز ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعها إلا متماثلة، فإذا لم يعلم التماثل لم يجز البيع؛ ولهذا يقول الفقهاء‏:‏ الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل‏.‏ والتماثل يعلم بالكيل والوزن‏.‏

وأما الخرص‏:‏ فهو ظن وحسبان، يقدر به عند الحاجة والضرورة، فأما مع إمكان الكيل والوزن فلا‏.‏ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة؛ لأنهم يحزرون من غير حاجة، وأباح ذلك في العرايا لأجل الحاجة؛ لأن المشتري يحتاج إلى أكل الرطب بالتمر خرصا؛ لأجل حاجته إلى ذلك‏.‏ ورخص في ذلك في القليل الذي تدعو إليه الحاجة، وهو ما دون النصاب، وهو ما دون خمسة أوسق‏.‏ وكذلك يجوز لحاجة البائع إلى البيع‏.‏ كما قد بسط ذلك في موضعه‏.‏

ولفظ ‏[‏العرايا‏]‏ معناه في اللغة‏:‏ هي النخلات التي يعيرها الرجل لغيره، أي‏:‏ يعطيه إياها ليأكل ثمرها، ثم يعيدها إليه، كما قال الشاعر يمدح فيه بالكرم‏:‏

/فليـست بـسنهاء ولا رجبــــية ** ولكن عرايا في السِّنين الجوائح

وهذا كما يقال للماشية ‏[‏المنيحة‏]‏ ‏:‏ مثل أن يعطيه الناقة أو الشاة ليشرب لبنها، ثم يعيدها إليه، وهو من جنس العارية‏.‏ وهو أن يعيره داره ليسكنها ثم يعيدها إليه‏.‏

ومنه إفقار الظهر؛ وهو أن يعطيه دابته ليركب فقارها، ثم يعيدها إليه‏.‏ فهذا أصل هذه اللفظة، لكن حكم العرايا، هل هو مخصوص بما كان موهوبا للمشتري‏؟‏ أو عام في ذلك وفي غيره‏؟‏ فيه قولان للعلماء‏.‏ والأول قول مالك‏.‏ والثاني قول الشافعي، وفي مذهب أحمد القولان‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل عن رجل اشتري قمحا بثمن معلوم إلى وقت معلوم، ثم إنه ما حصل لصاحب القمح شيء، ثم داره عقدا، وارتهن عليه ملكا، وأنه أخذ ذلك بيعا وشراء بذلك العقد، فهل البيع جائز‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا اشتري قمحا بثمن إلى أجل، ثم عوض البائع عن ذلك الثمن سلعة إلى أجل لم يجز؛ فإن هذا بيع دين بدين‏.‏ وكذلك / إن احتال على أن يزيده في الثمن، ويزيده ذلك في الأجل، بصورة يظهر رباها لم يجز ذلك، ولم يكن له عنده إلا الدين الأول‏.‏ فإن هذا هو الربا الذي أنزل الله فيه القرآن؛ فإن الرجل يقول لغريمه عند محل الأجل‏:‏ تقضي أو تربي، فإن قضاه وإلا زاده هذا في الدين، وزاده هذا في الأجل فحرم الله ورسوله ذلك، وأمر بقتال من لم ينته‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل اضطر إلى قرضة دراهم، فلم يجد من يقرضه إلا رجل يأخذ الفائدة، فيأتي السوق يشتري له بضاعة بخمسين، ويبيعها له بربح معين إلى مدة معينة، فهل هي قنطرة الربا‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا اشتري له بضاعة، وباعها له فاشتراها منه، أو باعها للثالث صاحبها الذي اشتراها المقرض منه، فهذا ربا‏.‏

والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في تحريم ذلك كثيرة؛ مثل حديث عائشة لأم ولد زيد بن أرقم، قالت لها‏:‏ يا أم المؤمنين، إني ابتعت من زيد بن أرقم غلاما إلى العطاء، بثمانمائة درهم نسيئة ثم ابتعته منه بستمائة نقدا‏.‏ فقالت عائشة‏:‏ بئس / ما شريت، وبئس ما اشتريت، أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب‏.‏ فقالت‏:‏ يا أم المؤمنين، أرأيت إن لم أجد إلا رأس مالي‏؟‏ فقالت عائشة‏:‏ ‏{‏فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏ ‏.‏ وعن أنس بن مالك‏:‏ أنه سئل عن مثل ذلك‏.‏ فقال‏:‏ هذا ما حرم الله‏.‏

وأما الذي لم يعد إلى البائع بحال، بل باعها المشتري من مكان آخر لجاره، فهذا يسمي ‏[‏التورق‏]‏ وقد تنوزع في كراهته‏.‏ فكرهه عمر بن عبد العزيز، والإمام أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ في إحدى الروايتين‏.‏ وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ التورق أخية الربا، أي‏:‏ أصل الربا‏.‏ وهذا القول أقوي‏.‏

 وسئل عن رجل طلب من إنسان ألف درهم إلى سنة بألف ومائتي درهم، فباعه فرسا أو قماشا بألف درهم، واشتراه منه بألف ومائتي درهم إلى أجل معلوم، فهل يجوز ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يحل له ذلك، بل هو ربا باتفاق الصحابة وجمهور /العلماء، كما دلت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ سئل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن رجل باع حريرة، ثم ابتاعها لأجل زيادة درهم، فقال‏:‏دراهم بدراهم، دخلت بينهما حريرة‏.‏

وسئل عن ذلك أنس بن مالك، فقال‏:‏هذا مما حرم الله ورسوله‏.‏ وقالت عائشة لأم ولد زيد بن أرقم في نحو ذلك‏:‏ بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب‏.‏

فمتى كان مقصود المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل ـ فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ـ فسواء باع المعطي الأجل، أو باع الأجل المعطي، ثم استعاد السلعة‏.‏ وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا‏)‏‏.‏ وفيه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا تبايعتم بالعينة؛ واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، أرسل الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم‏)‏ وهذا كله في بيع العينة، وهو بيعتان في بيعة‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح مالم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ فحرم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل / شيئا، ويقرضه مع ذلك؛ فإنه يحابيه في البيع لأجل القرض، حتى ينفعه، فهو ربا‏.‏

وهذه الأحاديث وغيرها تبين أن ما تواطأ عليه الرجلان، بما يقصدان به دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل، فإنه ربا، سواء كان يبيع ثم يبتاع، أو يبيع ويقرض، وما أشبه ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل تداين دينا، فدخل به السوق، فاشتري شيئا بحضرة الرجل، ثم باعه عليه بفائدة، هل يجوز ذلك‏؟‏ أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، هذا على ثلاثة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون بينهم مواطأة لفظية، أو عرفية، على أن يشتري السلعة من رب الحانوت، فهذا لا يجوز‏.‏

والثاني‏:‏ أن يشتريها منه على أن يعيدها إليه‏.‏ فهذا أيضا لا يجوز، فقد دخلت أم ولد زيد بن أرقم على عائشة، فقالت‏:‏ يا أم المؤمنين، إني ابتعت من زيد بن أرقم غلاما إلى العطاء بثمانمائة درهم نسيئة، ثم ابتعته منه بستمائة نقدا، فقالت لها عائشة‏:‏ بئسما شريت، وبئس /ما اشتريت، أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا‏)‏، وسئل ابن عباس عن ذلك، فقال‏:‏دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة‏.‏ وقال أنس بن مالك‏:‏ هذا مما حرم الله ورسوله‏.‏

والوجه الثالث‏:‏ أن يشتري السلعة سرا، ثم يبيعها للمستدين بيانا، فيبيعها أحدهما، فهذه تسمي ‏[‏التورق‏]‏ ؛ لأن المشتري ليس غرضه في التجارة، ولا في البيع، ولكن يحتاج إلى دراهم، فيأخذ مائة، ويبقي عليه مائة وعشرون مثلا‏.‏ فهذا قد تنازع فيه السلف والعلماء‏.‏ والأقوي أيضا أنه منهي عنه، كما قال عمر بن عبد العزيز ما معناه‏:‏ أن التورق أصل الربا؛ فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج، وأكل ماله بالباطل، وهذا المعني موجود في هذه الصورة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي‏.‏

وإنما الذي أباحه الله البيع والتجارة، وهو أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها‏.‏ فأما إذا كان قصده مجرد الدراهم بدراهم أكثر منها، فهذا لا خير فيه‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل يداين الناس كل مائة بمائة وأربعين، ويجعل سلفا على حرير، فإذا جاء الأجل، وأعسر المديون عن وفائه قال له‏:‏ عاملني، فيأخذ رب الحرير من عنده، ويقول للمديون‏:‏ اشتريت مني هذا الحرير بمائة وتســعين، إلا أنه يأتيه على حساب كل مائة بمائة وأربعين‏.‏ وإذا قبضه المديون منه قال‏:‏ أوفني هذا الحرير عن السلف الذي لي عندك‏.‏ وإذا جاءت السنة الثانية طالبه بالدراهم المذكورة، فأعسرت عليه، أو بعضها‏.‏ قال‏:‏ عاملني، فيحسب المتبقي والأصل، ويجعل ذلك سلفا على حرير‏.‏ فما يجب على هذا الرجل‏؟‏

فأجاب‏:‏

هذا هوعين الربا الذي أنزل فيه القرآن؛ فإنه كان يكون للرجل على الرجل الدين، فيأتي إليه عند محل الأجل، فيقول‏:‏ إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإن وفاه وإلا زاده المدين في الدين، وزاده الغريم في الأجل، حتى يتضاعف المال‏.‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏278 ـ280‏]‏‏.‏ وهذه المعاملة التي يفعلها مثل هذا المربي، مقصودها مقصود أولئك المشركين المربين، لكن هذا أظهر صورة المعاملة، وهذا لا ينفعه باتفاق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا المربي يبيعه ذلك الحرير إلى أجل؛ ليوفيه إياه عن دينه، فهو بمنزلة أن يبيعه إياه إلى أجل ليشتريه بأقل من ذلك، وقد سئل ابن عباس عن مثل هذا، فقال‏:‏ هذا حرام، حرمه الله ورسوله‏.‏ وسألت أم ولد زيد بن أرقم عائشة أم المؤمنين عن مثل هذا، فقالت‏:‏ إني بعت من زيد غلاما إلى العطاء بثمانمائة درهم، ثم ابتعته بستمائة، فقالت لها عائشة‏:‏ بئس ما اشتريت، وبئس ما بعت،أخبري زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب‏.‏ قالت‏:‏ يا أم المؤمنين، أرأيت إن لم أجد إلا رأس مالي‏.‏فقالت عائشة‏:‏ ‏{‏فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏275‏]‏ ‏.‏ وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا‏)‏‏.‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف وبيع‏)‏، فنهى أن يبيع ويقرض ليحابيه في البيع؛ لأجل القرض‏.‏ وثبت عنه في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏، فهذان المتعاملان إن كان قصدهما أخذ / دراهم بدراهم إلى أجل، فبأي طريق توصل إلى ذلك كان حراما؛ لأن المقصود حرام لا يحل قصده، بل قد نهى السلف عن كثير من ذلك سدا للذرائع؛ لئلا يفضي إلى هذا المقصود‏.‏ وهذا المربي لا يستحق في ذمم الناس إلا ما أعطاهم أو نظيره‏.‏ فأما الزيادات فلا يستحق شيئا منها، لكن ما قبضه قبل ذلك بتأويل، فإنه يعفي عنه‏.‏ وأما ما بقي له في الذمم فهو ساقط؛ لقوله‏:‏ ‏{‏وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 278‏]‏ ، والله أعلم‏.‏

 وسئل عن رجل أراد الاستدانة من رجل، فقال‏:‏ أعطيك كل مائة بكسب كذا، وتبايعا بينهما شيئا من عروض التجارة، فلما استحق الدين طلبه بالدين فعجز عنه‏.‏ فقال‏:‏ اقلب على الدين بكسب كذا وكذا في المائة، وتبايعا بينهما عقارا، وفي آخر كل سنة يفعل معه مثل ذلك، وفي جميع المبايعات غرضهم الحلال، فصار المال عشرة آلاف درهم، فهل يحل لصاحب الدين مطالبة الرجل بما زاد في هذه المدة الطويلة‏؟‏ وهل لولي الأمر إنكار ذلك‏؟‏ أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

قول القائل لغيره‏:‏ أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا /حرام، وكذا إذا حل الدين عليه وكان معسرا فإنه يجب إنظاره، ولا يجوز إلزامه بالقلب عليه باتفاق المسلمين‏.‏ وبكل حال فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التي يقصد بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية‏.‏ والواجب رد المال المقبوض فيها إن كان باقيا، وإن كان فانيا رد مثله، ولا يستحق الدافع أكثر من ذلك‏.‏ وعلى ولي الأمر المنع من هذه المعاملات الربوية، وعقوبة من يفعلها ورد الناس فيها إلى رؤوس أموالهم؛ دون الزيادات؛ فإن هذا من الربا الذي حرمه الله ورسوله، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏278ـ280‏]‏

 وسئل عن رجل له مع رجل معاملة، فتأخر له معه دراهم، فطالبه وهو معسر، فاشتري له بضاعة من صاحب دكان، وباعها له بزيادة مائة درهم حتى صبر عليه، فهل تصح هذه المعاملة‏؟‏

/فأجاب‏:‏

لا تجوز هذه المعاملة، بل إن كان الغريم معسرا، فله أن ينتظره‏.‏

وأما المعاملة التي يزاد فيها الدين والأجل فهي معاملة ربوية، وإن أدخلا بينهما صاحب الحانوت‏.‏ والواجب أن صاحب الدين لا يطالب إلا برأس ماله، لا يطالب بالزيادة التي لم يقبضه‏.‏

 وسئل ـ قدس الله روحه ـ عن ‏[‏العينة‏]‏ ‏:‏ هل هي جائزة في دين الإسلام‏؟‏ أم لا‏؟‏ وهل يجوز لأحد أن يقلد فيها بعض من رأي جوازها من الفقهاء، أم يجب عليه أن يحتاط لدينه ويتبع النصوص الواردة في ذلك، ومن تاب من ‏[‏مسألة العينة‏]‏ المذكورة، هل يحل له ما ربحه بطريقها‏؟‏ أم يجب عليه إخراج الربح ورده إلى أربابه إن قدر، أو التصدق بذلك‏؟‏ فإن عاد إليها مقلدا بعد العلم ببطلانها، هل يجوز له ذلك‏؟‏ أم لا‏؟‏ وكذلك ما تقولون في ‏[‏مسألة الثلاثية‏]‏ ‏؟‏ و‏[‏مسألة التورق‏]‏ ‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، أما إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم بأكثر منها إلى أجل، والمعطي يقصد إعطاءه ذلك ـ فهذا ربا لا ريب في تحريمه، وإن تحيلا على ذلك بأي طريق كان؛ فإنما الأعمال بالنيات، / وإنما لكل امرئ ما نوي؛ فإن هـذيــن قد قصـدا الربــا الــذي أنزل الله في تحريمه القرآن، وهو الربا الـذي أنـــزل الله فيه قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 278ـ280‏]‏

وكان الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل دين، فيأتيــه عند محل الأجل، فيقول له‏:‏ إما أن تقضي، وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاده المدين في المال، وزاده الغريم في الأجل، فيكون قد باع المال بأكثر منــه إلى أجل، فأمرهم الله إذا تابــوا ألا يطالبوا إلا برأس المال، وأهل الحيل يقصدون ما تقصده أهل الجاهلية، لكنهم يخادعون الله، ولهم طرق‏:‏

أحدها‏:‏ أن يبيعه السلعة إلى أجل، ثم يبتاعها بأقل من ذلك نقدا، كما قالت أم ولد زيد ابن أرقم لعائشة‏:‏ إني بعت من زيد غلاما إلى العطاء بثمانمائة، وابتعته بستمائة نقدا‏.‏ فقالت لها عائشة‏:‏ بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أخبري زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب‏.‏ قالت‏:‏ يا أم المؤمنين، أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي، فقرأت عائشة‏:‏ ‏{‏فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللّهِ‏}‏‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏ ‏.‏

/ وقيل لابن عباس‏:‏ رجل باع حريرة إلى أجل، ثم ابتاعها بأقل من ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ دراهم، بدراهم، دخلت بينهما حريرة‏.‏

وسئل أنس بن مالك عن نحو ذلك، فقال‏:‏ هذا مما حرمه الله ورسوله‏.‏ وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا‏)‏‏.‏ وهؤلاء قد باعوا بيعتين في بيعة‏.‏

وكذلك إذا اتفقا على المعاملة الربوية، ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعا بقدر المال، فاشتراه المعطي، ثم باعه الآخذ إلى أجل، ثم أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلك‏.‏ فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما بجعل، فهذا أيضا من الربا الذي لا ريب فيه‏.‏

وكذلك إذا ضما إلى القرض محاباة في بيع أو إجارة أو غير ذلك، مثل أن يقرضه مائة، ويبيعه سلعة تساوي خمسمائة، أو يؤجره حانوتا يساوي كراه مائة بخمسين، فهذا أيضا من الربا، ومن رواية الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم السلف ـ وهو القرض ـ مع البيع‏.‏

والأصل في هذا الباب أن الشراء على ثلاثة أنواع‏:‏

/ أحدها‏:‏ أن يشتري السلعة من يقصد الانتفاع بها كالأكل والشرب واللباس والركوب والسكني، ونحو ذلك، فهذا هو البيع الذي أحله الله‏.‏

والثاني‏:‏ أن يشتريها من يقصد أن يتجر فيها، إما في ذلك البلد، وإما في غيره، فهذه هي التجارة التي أباحها الله‏.‏

والثالث‏:‏ ألا يكون مقصوده لا هذا ولا هذا، بل مقصوده دراهم لحاجته إليها‏.‏ وقد تعذر عليه أن يستسلف قرضا، أو سلما فيشتري سلعة ليبيعها، ويأخذ ثمنها، فهذا هو ‏[‏التورق‏]‏ وهو مكروه في أظهر قولي العلماء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، كما قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ التورق أخية الربا‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ إذا استقمت بنقد، ثم بعت بنقد، فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد، ثم بعت بنسيئة، فتلك دراهم بدراهم‏.‏

ومعنى كلامه‏:‏ إذا استقمت‏:‏ إذا قومت، يعني‏:‏ إذا قومت السلعة بنقد، وابتعتها إلى أجل، فإنما مقصودك دراهم بدراهم، هكذا ‏[‏التورق‏]‏ يقوم السلعة في الحال، ثم يشتريها إلى أجل بأكثر من ذلك‏.‏ وقد يقول لصاحبه‏:‏ أريد أن تعطيني ألف درهم، فكم تربح‏؟‏ فيقول‏:‏ مائتين، أو نحو ذلك‏.‏ أو يقول‏:‏ عندي هذا المال يساوي ألف/ درهم، أو يحضران من يقومه بألف درهم، ثم يبيعه بأكثر منه إلى أجل، فهذا مما نهى عنه في الصحيح‏.‏

وما اكتسبه الرجل من الأموال بالمعاملات التي اختلفت فيها الأمة، كهذه المعاملات المسؤول عنها، وغيرها، وكان متأولا في ذلك، ومعتقدا جوازه لاجتهاد، أو تقليد، أو تشبه ببعض أهل العلم، أو لأنه أفتاه بذلك بعضهم، ونحو ذلك‏.‏ فهذه الأموال التي كسبوها وقبضوها ليس عليهم إخراجها، وإن تبين لهم بعد ذلك أنهم كانوا مخطئين في ذلك، وأن الذي أفتاهم أخطأ، فإنهم قبضوها بتأويل، فليسوا أسوأ حالا مما اكتسبه الكفار بتأويل باطل‏.‏

فإن الكفار إذا تبايعوا بينهم خمرا أو خنزيرا، وهم يعتقدون جواز ذلك، وتقابضوا من الطرفين، أو تعاملوا بربا صريح، يعتقدون جوازه وتقابضوا من الطرفين، ثم أسلموا، ثم تحاكموا إلينا، أقررناهم على ما بأيديهم، وجاز لهم بعد الإسلام أن ينتفعوا بذلك، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 278‏]‏ ، فأمرهم بترك ما بقي لهم في الذمم، ولم يأمرهم بإعادة ما قبضوه‏.‏

وكان بعض نواب عمر بالعراق يأخذ من أهل الذمة الجزية خمرا، ثم يبيعها لهم، فكتب إليه عمر ينهاه عن ذلك‏.‏ وقال‏:‏ إن رسول / الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لعن الله إليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها‏)‏، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أثمانها‏.‏ فنهاهم عمر عن بيع الخمر، وقال‏:‏ ولّوا بيعها الكفار‏.‏ فإذا باعوها هم لأهل دينهم، وقبضوا أثمانها جاز للمسلمين أن يأخذوا ذلك الثمن منهم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أيما قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وأيما قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام‏)‏‏.‏

بل أكثر العلماء ـ كمالك وأحمد وأبي حنيفة ـ يقولون بما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، وهو‏:‏ أن الكفار المحاربين إذا استولوا على أموال المسلمين بالمحاربة، ثم أسلموا بعد ذلك، أو عاهدوا، فإنها تقر بأيديهم، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم بيد المشركين ما كانوا أخذوه من أموال المسلمين حال الكفر؛ لأنهم لم يعتقدوا تحريم ذلك وقد أسلموا، والإسلام يجب ما قبله، فإنما غفر لهم بالإسلام ما تقدم من الكفر، والأعمال صاروا مكتسبين لها بما لا يأثمون به‏.‏

وإذا كان الأمر كذلك،فالمسلم المتأول الذي يعتقد جواز ما فعله من المبايعات والمؤاجرات والمعاملات التي يفتي فيها بعض العلماء، إذا أقبض بها أموال، وتبين لأصحابها فيما بعد أن القول الصحيح تحريم ذلك،لم يحرم عليهم ما قبضوه بالتأويل،كما لم يحرم على الكفار بعد الإسلام / ما اكتسبوه في حال الكفر بالتأويل،ويجوز لغيرهم من المسلمين الذين يعتقدون تحريم ذلك أن يعاملوهم فيه،كما يجوز للمسلم أن يعامل الذمي فيما في يده من ثمن الخمر، وغيره، لكن عليهم إذا سمعوا العلم أن يتوبوا من هذه المعاملات الربوية‏.‏ ولا يصلح أن يقلد فيها أحدا ممن يفتي بالجواز تقليدا لبعض العلماء؛ فإن تحريم هذه المعاملات ثابت بالنصوص والآثار، ولم يختلف الصحابة في تحريمها، وأصول الشريعة شاهدة بتحريمها‏.‏

والمفاسد التي لأجلها حرم الله الربي موجودة في هذه المعاملات، مع زيادة مكر وخداع، وتعب وعذاب‏.‏ فإنهم يكلفون من الرؤية والصفة والقبض وغير ذلك من أمور يحتاج إليها في البيع المقصود، وهذا البيع ليس مقصودا لهم، وإنما المقصود أخذ دراهم بدراهم، فيطول عليهم الطريق التي يؤمرون بها، فيحصل لهم الربا، فهم من أهل الربا المعذبين في الدنيا قبل الآخرة، وقلوبهم تشهد بأن هذا الذي يفعلونه مكر وخداع وتلبيس؛ ولهذا قال أيوب السختياني‏:‏ يخادعون الله، كما يخادعون الصبيان، فلو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون على‏.‏

والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع، وقد صنفت كتابًا كبيرًا في هذا‏.‏ والله أعلم‏.‏

/

 وسئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها من ذلك الرجل بأقل من ذلك الثمن حالا، هل يجوز‏؟‏ أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما إذا باع السلعة إلى أجل، واشتراها من المشتري بأقل من ذلك حالا، فهذه تسمي ‏[‏مسألة العينة‏]‏، وهي غير جائزة عند أكثر العلماء؛ كأبي حنيفة ومالك، وأحمد، وغيرهم‏.‏ وهو المأثور عن الصحابة؛ كعائشة وابن عباس، وأنس بن مالك‏.‏ فإن ابن عباس سئل عن حريرة بيعت إلى أجل، ثم اشتريت بأقل‏.‏ فقال‏:‏ دراهم بدراهم، دخلت بينهما حريرة‏.‏

وأبلغ من ذلك أن ابن عباس قال‏:‏ إذا استقمت بنقد، ثم بعت بنسيئة، فتلك دراهم بدراهم‏.‏ فبين أنه إذا قوم السلعة بدراهم، ثم باعها إلى أجل، فيكون مقصوده دراهم بدراهم، والأعمال بالنيات‏.‏ وهذه تسمي ‏[‏التورق‏]‏ ‏.‏

فإن المشتري تارة يشتري السلعة لينتفع بها، وتارة يشتريها / ليتجر بها، فهذان جائزان باتفاق المسلمين‏.‏ وتارة لا يكون مقصوده إلا أخذ دراهم، فينظر كم تساوي نقدا، فيشتري بها إلى أجل، ثم يبيعها في السوق بنقد، فمقصوده الورق، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء، كما نقل ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وهو إحدى الروايتين عن أحمد‏.‏

وأما عائشة فإنها قالت لأم ولد زيد بن أرقم ـ لما قالت لها‏:‏ إني ابتعت من زيد بن أرقم غلاما إلى العطاء بثمانمائة وبعته منه بستمائة‏.‏ فقالت عائشة ـ‏:‏ بئس ما بعت، وبئس ما اشتريت، أخبري زيدا أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل، إلا أن يتوب‏.‏ قالت‏:‏ يا أم المؤمنين، أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي، فقالت لها عائشة‏:‏ ‏{‏فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 275‏]‏ ‏.‏

وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لمن باع بيعتين في بيعة‏:‏ ‏(‏فله أوكسهما، أو الربا‏)‏ وهذا إن تواطآ على أن يبيع، ثم يبتاع، فماله إلا الأوكس، وهو الثمن الأقل، أو الربا‏.‏

وأصل هذا الباب‏:‏ أن الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوي‏.‏ فإن كان قد نوي ما أحله الله فلا بأس، وإن نوى ما حرم الله، وتوصل إليه بحيلة، فإن له ما نوي‏.‏ والشرط بين الناس / ما عدوه شرطا، كما أن البيع بينهم ما عدوه بيعا، والإجارة بينهم ما عدوه إجارة، وكذلك النكاح بينهم ما عدوه نكاحا؛ فإن الله ذكر البيع والنكاح، وغيرهما في كتابه، ولم يرد لذلك حد في الشرع، ولا له حد في الفقه‏.‏

والأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وتارة باللغة؛ كالشمس والقمر والبر والبحر، وتارة بالعرف كالقبض والتفريق‏.‏

وكذلك العقود كالبيع والإجارة والنكاح والهبة، وغير ذلك، فما تواطأ الناس على شرط، وتعاقدوا، فهذا شرط عند أهل العرف‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل دين رجلا شعيرا بستين درهم ـ الغرارة ـ إلى وقت معلوم، فلما جاء وقت الأجل طالبه، فقال المديون‏:‏ ما أعطيك غير شعير، وكان الشعير يساوي ثلاثين درهما ـ الغرارة ـ فهل له أن يأخذ شعيرا‏؟‏ أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

هذه المسألة فيها نزاع بين العلماء، فمذهب الفقهاء السبعة / ومالك وأحمد في المنصوص عنـه‏:‏ أن ذلك لا يجـوز‏.‏ فمـن بـاع مالا ربويًا كالحنطة والشعير وغيرهما إلى أجل، لم يجـز أن يعتاض عـن ثمنـه بحنطـة أو شعير، أو غير ذلك مما لا يباع به نسيئة؛ لأن الثمن لم يقبض، فكأنه قد باع حنطة أو شعيرًا بحنطة أو شعير إلى أجل متفاضلًا، وهذا لا يجوز باتفاق المسلمين‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ هذا يجوز، وهو اختيار أبي محمد المقدسي من أصحاب أحمد؛ لأن البائع إنما يستحق الثمن في ذمة المشتري، وبه اشتري، فأشبه ما لو قبضه ثم اشتري من غيره، وأما إن باع ما عند المشتري من حنطة أو شعير، واستوفي حقه من الثمن، فذلك جائز بلا ريب، وإذا كان البائع قد أخذ الحنطة أو الشعير بدون قيمته، فذلك أخف، والله أعلم‏.‏